السبت، 14 سبتمبر 2013

البعد الجمالي للانسان !





















البعد الجمالي للانسان!
***************

   منذ فترة نقلت الأخبار ان وكالة الفضاء الأميركية ((ناسا))،  ستنظّم رحلات لصالح الشركات الخاصة لاستكشاف إمكانية التنقيب عن المواد الأولية في القمر. الخبر بالطبع يثير شعورا بالفخر والزهو عند البشر، وهذا امر طبيعي ومفهوم.  فكرّت حينها بالشعراء والعشاق وكم اشفقت عليهم!، فكم من أبيات الشعر وصفت وشبّهت وجوه الحبيبات بالقمر! ولا اعتقد ان مسحا مهما كان دقيقاً سيستطيع ان يحصي عدد المرات التي وصُفت به وجوه الحبيبات بالقمر على لسان الشعراء وعموم العشاق على مر التاريخ. ومنذ العام (1969) داست الأقدام البشرية سطح القمر، وقال حينها رائد الفضاء نيل أرمسترونغ جملته الشهيرة: (هذه الخطوة لرجل ما, ما هي إلاّ قفزة عملاقة للبشرية.). والان يفكرون بنبش وحفر القمر بحثا عن إمكانية ما لتحقيق المنفعة والربح، وأتساءل : ما الذي سيحل بصور وجوه الحبيبات من تشوّه وبشاعة ؟! والالات والحفارات وهي تنبش وتحفر وتقلّب ما كان يوما الصورة المثالية لوجه الحبيبة ؟!

   والآن ها هي رحلة المسبار فويجر1 تغادر مجموعتنا الشمسية متوغلة في عوالم لا أحد يتوقع ما ستلاقي أو من ستلاقي؟. هناك شعراء وأدباء تخيّلوا أنفسهم ينظرون إلى الأرض من الفضاء الخارجي، ويراقبون تراجيديا البشر ولكن أن يحلّق الانسان بخياله شئ وأن يحلّق فعلياً شئ آخر. وبذلك يظلّ الخيال البشري سبّاقا ومقتحما للعوالم المرئية واللامرئية! وتظّل خطوات الخيال لها سحرها وجمالياتها التي لا تشوه أبعادها وتكوينها خطوات البشر الواقعية. فالسعي خيالاً غير السعي واقعاً, وهما ما يضفيان على الانسان تفرّده الخاص في الوجود. إن امتزاج الخيال والمنطق واختلاطهما في كلّ نشاطات الانسان, من أسرار عظمته غالباً, وفي أحيان أخرى من محفزات شروره ومآسيه أيضاً! . فكم من صروح شادها الخيال, وكم من جروح خلّفها الخيال أيضاً!. تبقى الوجهة والغاية هي التي تقرّر مآلات الفعل البشري, وما تؤول إليه من نتائج.

   فما الذي يؤطّر هذين القطبين(المنطق والخيال)للفعل البشري, ويمنحهما وحدتهما الهادفة إلى خير الانسان وسعادته, ويمنعهما من الإنزلاق إلى المآسي والشرور, والمعيار الأساسي يكون هو إنسانية كل قرار وكل فعل. وهذا ما لايمكن تحققه إلاّ باللجوء إلى البعد الأهم لدى الانسان, ألا وهو البعد الجمالي الذي يشذّب الفعل البشري من شوائبه القاسية وينقّيه مما يعلق به من فظاظة العناصر الخام التي يتشكّل منها تكوينه العضوي. إنّ الوعي الجمالي هو أعلى وأرقى شكل يبلغه الوعي الانساني, وهو المؤشر الأساسي لأيّة مرتبة حضارية ترتقيها المجتمعات عبر مراكمة تجاربها, واستبعاد كل الأخطاء والتشوّهات الملازمة لممارساتها. ولن نعدم الأمثلة الكثيرة التي تؤكد حقيقة أن المجتمعات التي ارتقت بوعيها الجمالي, هي المجتمعات الأبعد عن العنف والشرور, والأقرب إلى الوداعة والخير والسعادة. بالطبع هذا البعد لايتم بلوغه والاستمتاع بثماره ما لم تحسم المجتمعات مشكلاتها الاجتماعية, وفق نموذج للعدالة يضع الانسان كقيمة ومثال أعلى يسعى به وله في كل نشاطاته, ليصبح الانسان الغاية والوسيلة والذي يحقق ذاته بذاته ولذاته, بعيداً عن أيّة متاهة مثالية تجعل من خرافة ما فوق الانساني ذريعة, لتبديد جهوده والتهام سعادة لحظات حياته. إنّ الرؤية الجمالية قادرة على الأخذ بيد الانسان لانجاز ذاته وفق مقاييس تتجاوز قتامة وعماء المادة التي لم تصل بعد إلى حالة الادراك والوعي، وقادرة أيضاً على انتاج الوعي المنعكس بشكل فعل واعٍ، يؤثر في العالم ويصوغه وفق نماذج ليست موجودة في الطبيعة البكر, إلاّ بعد بزوغ الوعي البشري المحكوم بالبعد الجمالي. إنّ هذا بالضبط كالفرق بين الغابة والحديقة, والفرق بين أصوات الطبيعة الفجة والسمفونية، والفرق بين الطعام النيء والطعام المطبوخ, والفرق بين الكهف الموحش وناطحة السحاب المتلألأة بالأنوار.. وووو الخ. وكل انجاز حضاري يعكسه الوعي البشري ببعده الجمالي ومعاييره على عالم الأشياء الفظ والقاسي. فالانسان هو الكائن القادر على التأثيث الجمالي للحياة وللعالم!..
    


                                                  14/9/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق