الأحد، 19 يناير 2014

الشيخ والبحر..


ارنست همنغوي

لوحة قديمة من تخطيطي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ارنست همنغوي
*************

   ولد أرنست همنغوي (اللقب همنغوي هو لقب إنجليزي، ترجمت أعماله في بعض الدول العربية تحت اسم إرنست"همنجواي" وهو اسم خاطئ)، يوم   21يوليو 1899 ، دخل معترك الحياة المهنية مبكرا، حيث عمل صحفيا، أول عمل أدبي له "الشمس تشرق أيضا" التي لاقت نجاحا منقطع النظير. عام  1929 عاد مع زوجته الثانية بولين بفيفر إلى أوروبا حيث نشر واحدا من أهم أعماله هو "وداعا أيها السلاح"، ما بين 1936 و 1938عمل مراسلا حربيا لتغطية الحرب الأهلية الإسبانية، وقد سمحت له هذه المهمة بالتعبير عن عدائه الشديد للفاشية. وعام 1940 علامة فارقة في أدب همنغوي حيث نشر"لمن تقرع الأجراس" لتحقق نجاحا خارقا وتتجاوز مبيعاتها المليون نسخة في السنة الأولى.
    تميز أسلوبه بالبساطة والجمل القصيرة (الأسلوب البرقي). وترك بصمته على الأدب الأمريكي الذي صار همنغوي واحدا من أهم أعمدته. شخصيات همينغوي دائما افراد ابطال يتحملون المصاعب دونما شكوى أو ألم، وتعكس هذه الشخصيات طبيعة همنغوي الشخصية.
   حاز همنغوي جائزة بوليتزر الأميركية عام 1952 كما حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1954 عن رواية) الشيخ والبحر) وهي تجسد قصة صراع الإنسان في الحياة، ولذة الكفاح حتى آخر العمر. وذلك من خلال سردها لتجربة صياد عجوز لم يصطد أية سمكة لأيام كثيرة (85) يوما!، حتى أن والدا الغلام الذي كان يساعده ألزماه بترك هذا الشيخ المنحوس. خرج الشيخ للصيد بقاربه إلى البحر وحيداً. وعند الظهر اصطاد سمكة ضخمة جدا (18 قدم)!، سحبت قاربه إلى الشمال والشرق لمدة يومين وليلتين. ثم تعلق بالخيط الثقيل مضاهياً بقوته وتحمله قوة وتحمل السمكة. وفي اليوم الثالث يجذب السمكة نحو السطح ويقتلها بحربته، ثم يربطها على طول قاربه، وينشر شراعه الصغير ويبدأ رحلة العودة الطويلة حيث تنقض أسماك القرش لتمزيق لحم السمكة ويحاول هو أن يقاتلها ويبعدها، فيتهشم مجذافاه ودفة القارب. وحين يعود ليرسو في المرفأ، لا يكون قد بقي شيء من السمكة سوى رأسها والهيكل العظمي والذيل. ثم يرسو بقاربه مبقياً على هيكل السمكة مربوطاً به. يصل إلى كوخه، منهك القوى.. وينام وفي الصباح يتحلّق الصيادون حول هذا الصيد العجيب..
وكما عبّر على لسان بطله ( قد يتحطّم الإنسان ولكنه لا ينهزم..) 
   توفي عام 1961 وأختلفت الروايات حول وفاته بين حادث موت غامض أو إنتحار، ومن رجّح رواية الإنتحار أستند إلى تاريخ أسرته الحافل بالانتحار. حيث انتحر والده (كلارنس همنغوي)، وأختاه غير الشقيقتين، فحفيدته.
من رواياته الشهيرة:
(الشمس تشرق أيضا) و(وداعاً للسلاح) و(لمن تقرع الأجراس) و(الشيخ والبحر) و(ثلوج كليمنجارو) و( عبر النهر نحو الأشجار)
والعديد من المجموعات القصصية.

الأربعاء، 15 يناير 2014

عودة الابن الضال



لوحة قديمة من تخطيطي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عودة الابن الضال
****************
يوسف شاهين (19262008)
   وأنا أقلّب بعض الأوراق القديمة أتأمّل في بعض التخطيطات والبورتريهات (بالفحم) لبعض الشخصيات الفنية والأدبية، وقد كنت مغرماً بممارسة الرسم كهواية في وقت ما، ومنها هذا البورترييه للفنان السينمائي يوسف شاهين. هذا الفنان المتفرّد بأسلوبه في الإخراج السينمائي، والمفكر العميق الذي لايقف عند سطح الأحداث، بل يغوص في العمق الاجتماعي والتاريخي لموضوعه ليقدّم رؤية، والأقرب والأجدر أن نطلق عليها  (رؤيا)، لما فيها من تحليل عميق للأسباب واستشراف دقيق لآفاق المستقبل. لن أتحدّث عن أعمال الفنان وأسلوبه، ففي الويكيبيدبا والمواقع والمراجع الكثيرة عنه ما يُغني لمن أراد متابعة النتاج الفني لهذا الفنان المتميّز.
   إنّ أصدق وصف يمكن أن ينطبق على هذا الفنان، أنّه (فنان نقدي) لا يُسلّم بتاتاً ولا يركن أبداً إلى الخطاب الأيديولوجي السائد أو تفرعاته المتعددة والمضادة، بما تتّسم به، عادة، هذه الخطابات من سطحية وتبسيطية ساذجة، لا تجيب عن الأسئلة العميقة للعقول التي تبحث عن أجوبة حقيقية وشافية عن واقع اجتماعي- تاريخي معقّد. سأقتصر في حديثي عن فلم من أفلامه الإشكالية، (عودة الابن الضال)، هذا الفلم الذي بهرنا في نهاية سبعينيات القرن العشرين (أنتج الفلم عام1976 ) الذي هرعنا كشبّان لمشاهدته في دور السينما (شاهدته شخصياً مع بعض الأصدقاء لثلاث مرّات)، مأخوذين بالبناء الفني والفكري المركب للعمل، وما يحفل به من اغنيات معبّرة ومؤثّرة للفنانة الرائعة ماجدة الرومي، من كلمات صلاح جاهين (الذي شارك الفنان يوسف شاهين بكتابة الفلم). ولمن لا يعرف ما يعنيه عقد السبعينيات لدول المنطقة تاريخياً، لن يستطيع الإلمام بأهمية الفلم ومغزاه، فقد وضعت تلك السنوات منطقتنا ومجتمعاتنا ودولنا أمام خيارين لا ثالث لهما إمّا الإفلات من هيمنة قوى رأسمال المال العالمية، والتحرّر الفعلي واستكمال شروط التنمية والتحديث للدول الوطنية التي نشأت بعد (سايكس-بيكو)، وبناء مجتمعات حديثة تضمن للإستقلال السياسي بقاءه وتعطيه مضمونه الإنساني الراسخ ببناء بنية اجتماعية حديثة وإنسان عصري، أو البقاء في فلك التبعية للقوى الأقتصادية العالمية، والإستسلام للبنى والقيم المحلية المتخلّفة والقديمة، التي تجاوزها العصر الحديث بفكره وقيمه وعلومه. وكلّ خطاب كان يجري عن (طريق ثالث) مزعوم، ما كان إلاّ تملّصاً وهروباً من إنجاز الشروط الأجتماعية والفكرية (للحداثة)، وهذا ما كان..! وما نعيشه اليوم من تردٍّ ونكوص، إن هو إلاّ نتائج حتمية لتلك السياسات الكارثية التي كانت تهيمن على المشهد العام في تلك السنوات الحاسمة.
   أعود لـ(عودة الابن الضال) ويوسف شاهين الفنان صاحب (الرؤيا) والبصيرة .. لم نكن بعد مشاهدتنا الفلم بقادرين، حينذاك، على تمثّل واستكناه مغزى تلك النهاية الدامية للفلم، مجزرة اقتتال العائلة البرجوازية الكبيرة حتى يصرع أحدهم الآخر في مشهد من مشاهد العنف والوحشية، ولم ينجُ من تلك المجزرة إلاّ الجيل الشاب الذي يغادر نحو المستقبل (الفجر) بصحبة عائلة من الطبقة العاملة. نعم وصلتنا الرؤية النقدية للفلم لما يمكن أن ينتج عن غياب الحريات واستبداد أقلية جاهلة بمصائر الأغلبية من طبقات وفئات المجتمع، وهيمنتها على السلطة والقرار بيد من حديد، لكن تلك النهاية العنيفة والقاسية لم تكن مقنعة لنا كمصير حتمي، في ذلك الوقت المبكر، (والذي يدعوه البعض اليوم، قياساً على زمننا الدموي الراهن، "بالزمن الجميل"!)، وربّما عددناها شكلاً من أشكال الفانتازيا ومبالغاتها المعهودة!.. وما ذلك إلاّ لسبب بسيط وهو أنه لم يكن أمامنا، ولم يكن يخطر ببالنا في تلك الفترة، أن تمضي الصراعات الاجتماعية إلى هذا القدر من الوحشية والدموية التي نشهدها اليوم.. ولكن الفنان يرى بخياله الواسع ما لايراه الباحث بمنطقه الصارم!
   اليوم فقط أدرك كم كانت رؤيا يوسف شاهين متواضعة! رغم عنفها وقساوتها، اليوم حين أرى ما تضطرم به مجتمعاتنا من صراعات وحشية وشلّالات الدم التي تتدفق في المنطقة، ودولها تشارف على الإنقراض كوحدات سياسية رصينة، وتفشّي الأفكار المتطرّفة وتمكّنها من عقول أفراد مجتمعاتنا كباراً وصغاراً، والنكوص المرعب إلى أفكار وقيم ما قبل الحداثة، والتي تفضي إلى هاوية وحضيض كالتي عبّر عنها الفيلسوف الأنجليزي (هوبز).. حرب الجميع ضد الجميع.. أقول هل رأى الفنان ابعد مما يمكن وأكثر مما يُتصوّر! وهل كانت لقطتا (المهرّج) في بداية ونهاية فلم (عودة الابن الضال).. سخرية سوداء؟ مما رآه الفنان واحتجب عنا لما ينتظر مجتمعاتنا من كوارث، أشارة ساخرة ومريرة وضعها الفنان للتعبير عن (بؤس الوعي) الذي قادنا ويقودنا إلى بحور الدم الحالية، لا يستطيع أيّ خيالٍ مهما كان سوداوياً أن يتخيّله..؟!
   فلم (عودة الابن الضال) ربّما كان الوقت الحالي، هو الوقت الأنسب  لمشاهدته والتمعّن في مفرداته وتفاصيله ومآلاته الكارثية، لما نشهده كل ساعة وكل يوم من اضطراب وعنف ووحشية ودم، في الكثير من دول ومدن منطقتنا الملتهبة والمنذرة بالمزيد من المآسي والكوارث! وللتأمل في رؤى فنان من ذاك الزمان، لما سيؤول إليه واقعنا الاجتماعي من عدمية ودمار، بغضّ النظر عن التفاصيل، دولنا ومجتمعاتنا التي كانت تُقاد من قبل أحزاب ونخب سياسية وفكرية قاصرة وعاجزة عن أداء مهامها الأساسية في التقدّم والتحديث الجذري، في فترة حاسمة وفاصلة من تاريخنا.. في ظلّ عالم مضطرب وحافل بصراعات حادة وعنيفة لا يتورع عن تحويل دول بكاملها إلى هشيم، ومجتمعات بأكملها إلى جماعات مهاجرة! أو جماعات متقاتلة حدّ الفتك والإفناء التام لبعضها البعض..