الأربعاء، 14 أغسطس 2013

الحاجة الجمالية

الموناليزا - دافنشي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (( أن الحاجة الجمالية هي من أرسخ الحاجات التي تميّز الكائن البشري، ومن أكثرها ثباتا وقوة.))
إتيان سوريو، الجمالية عبر العصور، ت.د ميشال عاصي، منشورات عويدات، بيروت-باريس ط2 1982، ص315.

   ((وهكذا يبدو حاليا من الأمور الجوهرية إذاً أن يأخذ الانسان بيده المسؤولية الجمالية لملامح الأرض التي يسكنها مثلما يتحمل المسؤولية الاقتصادية والانتفاعية  سواء بسواء.))
المصدر السابق، ص 316.


   لمّا تركّزت عناصر الوجود وتكثفت وتبلورت في الكائن الحي، ارتقى هذا الوجود العضوي إلى درجة من الوجود الحي يختلف في نشاطه وسلوكه وما ينتجه من ظواهر عن الوجود الطبيعي المعهود. وكان من أبرز سمات هذا الوجود ومظاهره هو انفراده بامتلاك خاصية الوعي. هذا الوعي المتفرّد الذي له قوانينه المختلفة عن قوانين الوجود الطبيعي، يتيح لهذا الكائن أن يحلّق وينظر ويتأمّل ذاته، ويبتكر لوجوده المادي صورا، ويبتدع له غايات، ويتلمس له مصيرا مفارقا، ينافس به قوانين السببية المادية للوجود الطبيعي. ويحاول أن يتسامى بهذا الوجود الطبيعي إلى تلك الصور والغايات التي ابتدعها. من هنا كانت الصور والأحلام والخيالات المحلّقة، وكان هذا النزوع الجمالي وهذه الخاصية الجمالية التي انفرد بها هذا الكائن. فكان الفن (بكل أنواعه وأشكاله ووسائل تعبيره المتناسبة مع ما بلغته من تطور وتقنيات). ان الجانب الجمالي للإنسان عنصر أساسي في تكوين الإنسان، تذكّرنا به نشاطاته منذ خربشاته وخطوطه الأولى على جدران الكهوف، وتصويتاته الاولى ودندناته النغمية وهو يلتقط قوته من الثمار، وحتى ارقى ابداعاته الفنية بكافة أنواعها التي تشكّلت من التركيب الجمالي للصورة والصوت. فرسوم الكهوف تحوّلت إلى لوحات آية في الروعة والابداع، وأصواته وتنغيماته الاولى استحالت إلى روائع موسيقية راقية. ومن تمازج هذين العنصرين ( الصورة والصوت ) تعدّدت وتنوعت أنواع وأشكال فنية وأدبية خالدة أخرى، لا يمكن تصور انسان يستغني عن التلذّذ والاستمتاع بها. أمّا النشاط الآخر للوعي فاتّخذ مسارا آخر مستلهما ومتمثّلا للقوانين الطبيعية فكانت المعارف الاخرى بكل فروعها. فلا يكاد يخلو أي نشاط يمارسه أي انسان من هذه السمات الجوهرية التي تميّزه كإنسان عن سائر الموجودات. من هنا كانت الحاجة المعرفية والجمالية من ألصق وأوضح صفات هذا الكائن المتفرّد وجوهره المتميّز في الوجود (وفقا لمعلوماتنا الحالية على الاقل!). فهل تستقيم حياة إنسانية دون ممارسة وإشباع هذه الحاجة الجمالية، المتأصلة في نسيج التكوين العضوي والعقلي والنفسي للإنسان ؟!