الاثنين، 30 سبتمبر 2013

الأغنية الإيروسية


((الحنّة ياحنة لشادية.. الأغنية الإيروسية !))
*******************************
   العلاقة الأكثر حسية وحميمية وجوهرية للكائن البشري، هي العلاقة التي تجد مثالها الأرقى في علاقة الرجل والمرأة. وكما وصفها أحد كبار المفكرين (( العلاقة الأكثر طبيعية بين الانسان والانسان، هي العلاقة بين الرجل والمرأة)). الفرق بين اللحظة الجنسية الحافلة بالتوهج الحسي والآني وبين اللحظة الفنية بتعبيرها الجمالي التي هي في جوهرها محاولة لتأبيد الحسي والآني وتخليده.. محاولة للأحتفاظ باللحظة العصية على الأستمرار واستدامة ما يكتنفها من أحاسيس ومشاعر لذيذة، محاولة لإستعادة ما يهرب ويفلت منا! إنها لعبة التغلب على الزمن بالفن! فالفن الايروسي بتركيزه على التصوير الجمالي والإيحاء الشعري، دون الإنزلاق إلى التعبير البورنوغرافي المباشر والفج للحب. إنّ الفرق بينهما مثل الفرق بين الطعام النيء والطعام المطبوخ، وبين الفعل البيولوجي المكشوف، وفعل الحب المشحون بالعاطفي والشعري والجمالي. إنها قضية ارتقاء العلاقات الأنسانية بفعل التراكم الحضاري، ونمو الحاسة الجمالية للانسان. إنها الممارسة الفنية الجمالية لما هو طبيعي..

   إن أغنية (الحنة.. الحنة) لشادية هي من الأغاني المتميزة، التي تبدأ بايقاع متوهج، وتحتفي الأغنية بالصوت البشري للكورس الذي يفتتح الغناء بلحن عذب، مستدرجاً انتباه الحواس والمشاعر. إن رقة ونعومة وصفاء صوت شادية يضيف للحن عذوبة حسية فائقة. أمّا كلمات الأغنية فهي صياغة جمالية ومقاربة شعرية على درجة عالية من القدرة الفنية، إنْ في بناء الصور الشعرية أو بالتعبير الجمالي الذي لا يخلو من رمزية معبرة. وما يميز كلمات الأغنية أيضا هو التناول غير المألوف كثيرا في أغاني الحب لموضوع علاقة الحب بعيداً عن المصادرة الذكورية! للتعبير. حيث نجد حضوراً لافتاً للشخصية الأنثوية للمرأة وتعبيراً صريحاً عن مشاعرها، خاصة أن الكلمات هي على لسان المرأة. وسأركز قليلاً على الدلالات الشعرية والأجتماعية والأنسانية لهذه الكلمات. أولا (الحنة) بدلالتها الأجتماعية التي تحيل إلى الزواج ومؤسسة العائلة وأن الحسي والعاطفي والجنسي يدور كله في إطار مقبول إجتماعياً، مما يعفي الكاتب من أيّ إحراج أخلاقي! فالأمر كله مشروع وأيّ حرية وتطرف في التعبير لن يكون خارج سياق المألوف الاجتماعي. لكن ما يحسب للأغنية حقاً هو إبرازها لمشاعر وحاجات المرأة بشكل يقرب من الجرأة التي لا يستسيغها الكثيرون، فكيف لأمرأة أن تقول (الصبر ده حاجة محالة/ يا أروح له يا اقوله تعالا).. وهذا مما يعدّه كثير من المستعمرين لجسد المرأة! منتهى الوقاحة! فكيف لأمرأة أن تطمح وتفكر باقتسام الملكية الجنسية الحصرية للرجل- الذكر (والفرحة الكبيرة نقسمها سوى) سيصرخ أمثال هؤلاء : هذا فحش مابعده من فحش!. ولا تخلو الأغنية من الأشارة إلى ما في وضع المرأة من سلبية الأنتظار ( استنى واستنى لما تفوت على بستانا ) لكنها تؤطرها بصورة شعرية تقلب ذلك المخيال المتوارث عن البستان والجنة، فإلى جانب سلبية انتظار المرأة لمرور الحبيب على بستان (العائلة) لاكتساب الشرعية الاجتماعية، إلاّ أنها تقلب التصور الراسخ عن قصة السقوط والخروج من الجنة. فجنة الحب هنا مباحة وخارج دائرة التأثيم لفعل الحب، لا بل أن المرأة تغدو ايجابية وفاعلة وتهدي (شال الأفراح.. مليان ورد وتفاح..) فتنقلب الصورة النمطية لقصة آدم وحواء، بما لكلمة (التفاح) من دلالات واضحة، فعلاقة الحب لم تعد خروجا من الجنة وسقوطاً، إنّما هي دخول إلى هذه الجنة التي يتوق أليها الجميع، لكنّ القيد الأخلاقي يجعلها محملة بتاريخ طويل من مشاعر التأنيب والإثم..

   ملاحظة أخيرة حول هذه الأغنية، فقصتها مستمدة من واقعة تاريخية بعيدة ولكنها تحملت ما تحملت من حمولات الخيال الشعبي.. فالقصة التاريخية تتحدث عما رافق موكب الأميرة قطر الندى (أسماء بنت خمارويه بن أحمد بن طولون) من أفراح وبذخ خيالي وهي تُزف إلى أبن الخليفة العباسي المعتضد الذي أستأثر بها لنفسه! في إطار صفقة سياسية من زواج المصالح المعروف في التاريخ القديم بين الحكام.. ويُرجع البعض أصل الأغنية إلى ذلك العهد وما رافقها من فرش الموائد العامرة بأطايب الطعام للعامة والفقراء! فكانت أفراحهم مجزية جداً !!!       
    
       
كلمات مرسي جميل عزيز.. الحان بليغ حمدي

الحنة ياحنة ياحنة يا قطر الندى
يا شباك حبيبي ياعيني جلاب الهوى


لا لا لا  لالا    الصبر ده حاجة محالة
يا أروح له يا أقوله تعالا
لو يطلب مني العين
راح أقوله خد الإتنين
وتحني الليالي فرحتنا سوى
وأفرش له ضفايري ياعيني على شط الهوى


يا قمرنا ياهاجرنا الحب يا جارنا أمرنا
تخاصمنا ونصالحك ونكمل سوى مشوارنا
وإن بعدت بينا بلاد نخلق للحب معاد
ونقول لليالي ضمينا سوى
وأخبيك في عيني ياعيني من نسمة هوى

أستنى وأستنى لما تفوت على بستانا
وتصبح وتمسي تطلب مفتاح الجنه
وأهديك شال الافراح
مليان ورد وتفاح
والفرحة الكبيرة نقسمها سوى
وأتوه بين حبيبي ياعيني والليل والهوى


الحنة ياحنة ياحنة يا قطر الندى
يا شباك حبيبي ياعيني جلاب الهوى


السبت، 14 سبتمبر 2013

البعد الجمالي للانسان !





















البعد الجمالي للانسان!
***************

   منذ فترة نقلت الأخبار ان وكالة الفضاء الأميركية ((ناسا))،  ستنظّم رحلات لصالح الشركات الخاصة لاستكشاف إمكانية التنقيب عن المواد الأولية في القمر. الخبر بالطبع يثير شعورا بالفخر والزهو عند البشر، وهذا امر طبيعي ومفهوم.  فكرّت حينها بالشعراء والعشاق وكم اشفقت عليهم!، فكم من أبيات الشعر وصفت وشبّهت وجوه الحبيبات بالقمر! ولا اعتقد ان مسحا مهما كان دقيقاً سيستطيع ان يحصي عدد المرات التي وصُفت به وجوه الحبيبات بالقمر على لسان الشعراء وعموم العشاق على مر التاريخ. ومنذ العام (1969) داست الأقدام البشرية سطح القمر، وقال حينها رائد الفضاء نيل أرمسترونغ جملته الشهيرة: (هذه الخطوة لرجل ما, ما هي إلاّ قفزة عملاقة للبشرية.). والان يفكرون بنبش وحفر القمر بحثا عن إمكانية ما لتحقيق المنفعة والربح، وأتساءل : ما الذي سيحل بصور وجوه الحبيبات من تشوّه وبشاعة ؟! والالات والحفارات وهي تنبش وتحفر وتقلّب ما كان يوما الصورة المثالية لوجه الحبيبة ؟!

   والآن ها هي رحلة المسبار فويجر1 تغادر مجموعتنا الشمسية متوغلة في عوالم لا أحد يتوقع ما ستلاقي أو من ستلاقي؟. هناك شعراء وأدباء تخيّلوا أنفسهم ينظرون إلى الأرض من الفضاء الخارجي، ويراقبون تراجيديا البشر ولكن أن يحلّق الانسان بخياله شئ وأن يحلّق فعلياً شئ آخر. وبذلك يظلّ الخيال البشري سبّاقا ومقتحما للعوالم المرئية واللامرئية! وتظّل خطوات الخيال لها سحرها وجمالياتها التي لا تشوه أبعادها وتكوينها خطوات البشر الواقعية. فالسعي خيالاً غير السعي واقعاً, وهما ما يضفيان على الانسان تفرّده الخاص في الوجود. إن امتزاج الخيال والمنطق واختلاطهما في كلّ نشاطات الانسان, من أسرار عظمته غالباً, وفي أحيان أخرى من محفزات شروره ومآسيه أيضاً! . فكم من صروح شادها الخيال, وكم من جروح خلّفها الخيال أيضاً!. تبقى الوجهة والغاية هي التي تقرّر مآلات الفعل البشري, وما تؤول إليه من نتائج.

   فما الذي يؤطّر هذين القطبين(المنطق والخيال)للفعل البشري, ويمنحهما وحدتهما الهادفة إلى خير الانسان وسعادته, ويمنعهما من الإنزلاق إلى المآسي والشرور, والمعيار الأساسي يكون هو إنسانية كل قرار وكل فعل. وهذا ما لايمكن تحققه إلاّ باللجوء إلى البعد الأهم لدى الانسان, ألا وهو البعد الجمالي الذي يشذّب الفعل البشري من شوائبه القاسية وينقّيه مما يعلق به من فظاظة العناصر الخام التي يتشكّل منها تكوينه العضوي. إنّ الوعي الجمالي هو أعلى وأرقى شكل يبلغه الوعي الانساني, وهو المؤشر الأساسي لأيّة مرتبة حضارية ترتقيها المجتمعات عبر مراكمة تجاربها, واستبعاد كل الأخطاء والتشوّهات الملازمة لممارساتها. ولن نعدم الأمثلة الكثيرة التي تؤكد حقيقة أن المجتمعات التي ارتقت بوعيها الجمالي, هي المجتمعات الأبعد عن العنف والشرور, والأقرب إلى الوداعة والخير والسعادة. بالطبع هذا البعد لايتم بلوغه والاستمتاع بثماره ما لم تحسم المجتمعات مشكلاتها الاجتماعية, وفق نموذج للعدالة يضع الانسان كقيمة ومثال أعلى يسعى به وله في كل نشاطاته, ليصبح الانسان الغاية والوسيلة والذي يحقق ذاته بذاته ولذاته, بعيداً عن أيّة متاهة مثالية تجعل من خرافة ما فوق الانساني ذريعة, لتبديد جهوده والتهام سعادة لحظات حياته. إنّ الرؤية الجمالية قادرة على الأخذ بيد الانسان لانجاز ذاته وفق مقاييس تتجاوز قتامة وعماء المادة التي لم تصل بعد إلى حالة الادراك والوعي، وقادرة أيضاً على انتاج الوعي المنعكس بشكل فعل واعٍ، يؤثر في العالم ويصوغه وفق نماذج ليست موجودة في الطبيعة البكر, إلاّ بعد بزوغ الوعي البشري المحكوم بالبعد الجمالي. إنّ هذا بالضبط كالفرق بين الغابة والحديقة, والفرق بين أصوات الطبيعة الفجة والسمفونية، والفرق بين الطعام النيء والطعام المطبوخ, والفرق بين الكهف الموحش وناطحة السحاب المتلألأة بالأنوار.. وووو الخ. وكل انجاز حضاري يعكسه الوعي البشري ببعده الجمالي ومعاييره على عالم الأشياء الفظ والقاسي. فالانسان هو الكائن القادر على التأثيث الجمالي للحياة وللعالم!..
    


                                                  14/9/2013