الخميس، 15 أغسطس 2013

الجمال والأيروس والحياة

Georgi Petrov
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


   أرى، أسمع، أشم، ألمس، أذوق، كيف، وأين تمزج الحواس؟ عصارات الحياة وخمور الجمال. أهي التي يسمّونها((الكلّيّة))؟التي يتعهّد معملها السرّيّ بمعاملة وبمعالجة موارد الحواس اليها. أرى وجهاً جميلاً، أسمع نغماً ساحراً، أشمّ وردةً فواحةً، أصافح صديقاً حميماً، أشرب عصيراً لذيذاً. أقوم بكلِّ ذلك بين الحين والحين، إلاّ أنّني نادراً ما يتاح لي أن أمارس كلّ ذلك، في الوقت ذاته، في حالة واحدة بذاتها. وحدها حالة العشق! مع حبيب حميم، تنصهر فيها كلّ تلك الأفعال وتمتزج في لحظة واحدة وفي حالة واحدة. نَرى ونُرى، نَسمع ونُسمع، نَشمّ ونُشمّ، نَلمس ونُلمس، نَذوق ونذاق، كلّ ذلك يحدث معاً، في لحظةٍ خارقةٍ ومتكثفةٍ، تنهمك فيها ذاتان حتى الأنصهار. وأكثر من ذلك فكل حاسة لا تتعامل مع الذي أمامها فحسب، بل تستدعي كلّ ما أختزنته ذاكرة الحاسة في تاريخها الخاص، من خبرات سابقة معيشة ومتخيّلة. ياه! ما اكثر ما يحتشد من عناصر الكون في هذه اللحظة الكونية الخَلْقِيّة، وما أكثر الأشواق المتراكضة الى بؤرة التحقّق هذه. أليس التواصل بين الرجل والمرأة، هو سرّ أسرار الكون، ونقطة الخلق التي تسعى اليها كلّ مواد الوجود؟ لحظة عبور وارتقاء من حالة المادة الى الحالة الحيّة.
    عندما يمسك الرسام ريشته محاولاً إقتطاع الجمال الكلّي في منظرٍ، يقصر عمله عن إستحضار الكلّي في الجزئي. وعندما يستجمع المغنّي كلّ عذوبة صوته، لتضمينه حالة الحبّ يفشل في تقديم الكلّي المتعدّد في المتتابع من النغم. حتى الوردة يخيب مسعاها في تحقيق ذلك الاقتراب من الجمال الكلّي الحميم. وما العسل إلاّ لعقة لذّةٍ عمياء بكماء!. ولا ينجح المثّال مهما جسّد من مثال للأكتمال في صنع الجمال الكامل. تبقى فنون المسرح والسينما هي الأكثر مقاربة لتمثّل اللحظة الجمالية، لما يحتشد فيهما من حضور العنصر البشري، كأحد أهمّ مقومات العمل الفني. من هنا نستطيع الأمساك بخيط الحياة والجمال، فالأنسان والعلاقة الأنسانية، ولحظتها القصوى علاقة الرجل والمرأة، هي كلمة السر لفهم الجمال كتعبير عن نزوع الحياة الى التحقّق المنفلت من أسر المادة الميتة، ومسار كلّ الأشواق وهي تدور في مدار متكوّر حول لحظة العشق. هذا التوق الذي يصطحب معه كلّ مقتنيات كلّ الحواس، ويمزجها بكلّ ذاكرات الفرد والنوع، ويستعين بكلّ التمثيلات الفنية لينصهر الجمالي بالعشقي في لحظة الأحتفاء الكوني بالحياة!. كم هي فائقة الذكاء هذه الحياة التي توظّف كل عناصر الكون، في تشكيل جمالي يثير ويُلهب كافة أعضاء العشق! لكي تستمر في جهدها المثابر الدائب، الذي يقضم  في كلّ لحظة من جرف الكون، ويحيل مواده الميتة الى حياة أكثر وأكبر وأعمق!. هل هي اللحظة الأيروسية؟ التي تستعين بها الحياة لأستدراج الوجود الميت، الى اللحظة الجمالية ومنها الى لحظة الخَلْق عبورا الى الحياة. الحياة هذا التكثّف المذهل للكون. النقطة التي يسقط فيها الوجود الميت في شرك الحياة، ليقوم حيّاً.وكأن الجمال يستدرج الوجود الميت، الى معمل((الكلّيّة))الحيوي، لينفخ العشق فيه الحياة!                             
                                          05/05/2013

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق